مفهوم "كتلة المكون الأكبر" هل نفع الشيعة أم اضرّ بهم؟
صائب خليل
قد يكون من المثير للابتسام وربما الشك، أن يتحدث سني عما “ينفع الشيعة أو يضرّ بهم”، في حصتهم في الحكم. فحتى حين يكون هذا السني خال تماما من الطائفية، يبقى السؤال: لماذا يجهد نفسه في البحث عن مصلحة الشيعة، وعلى حساب السنة؟
سؤال وجيه بلا شك، والجواب عليه هو أولا أني لا اعتبر الموضوع مباراة وحصص بين الشيعة والسنة، بل بين العراقيين ووطنهم من جهة والامريكان من الجهة الأخرى. وأني أجد أن فكرة “كتلة المكون الأكبر” التي حلت محل “الكتلة النيابية الأكبر” قد اضرت بالوطن أيضا، بالشعب العراقي كله ومستقبله، لكنها أيضا اضرت بالشيعة بشكل خاص ومباشر! وأستطيع ان ابرهن ذلك بالمنطق والحساب البسيط.
دافعي للكتابة إذن ليس زيادة حصة الشيعة، إنما اقناعهم ان هذه الفكرة التي اضرت بالوطن تضرهم أكثر. وفي تقديري أني لو كتبت فقط أن تلك الفكرة تضر بالوطن، لما اثار ذلك اهتمام أحد للأسف. فكما كتبت سابقاً(1)، فان المباراة الوحيدة المثيرة للاهتمام هذا اليوم هي مباراة “التك گول” بين الشيعة والسنة، والاهداف الوحيدة المثيرة للاهتمام هي ما يسجله كل منهما ضد الآخر، بينما يترك مرمى الاحتلال سليما بلا تسجيل ضده، ويبقى الاحتلال يتفرج ويحسب كل اهداف الفريقين لصالحه بعد ان أقنعهما بان المباراة هناك عند مرماهم، وأن اللعبة “تك گول” بينهم!
لذلك قررت ان استعين بحقيقة ان مفهوم “كتلة المكون الأكبر”، وعلى عكس ما يتوقع الشيعة، يضر بالشيعة قبل غيرهم، لعلي أقنعهم بتركه والعودة الى “الكتلة النيابية الأكبر” كما ينص الدستور، والتي تتيح لهم حقهم كاملا، بدلا من هذا الاختراع الطائفي المؤسف، والذي لا يزيد ذلك الحق، بل يقلله.
لا أدري من اخترع عبارة “كتلة المكون الأكبر”، التي سيطرت على الساحة السياسية وصارت العبارة البديهية في الحوارات، يتمسك بها النائب والسياسي الشيعي بنفس القوة التي يتمسك بها المواطن الشيعي، وكأنه يمسك برمز لـ “وحدة الشيعة” السياسية، وبحق اكتسبه الشيعة لنسبة نفوسهم، ويخشى ان يسلب منهم عنوة وظلما، من قبل الكتل الأخرى.
الغريب في الأمر انه إضافة الى كون عبارة “كتلة المكون الأكبر” لا وجود دستوري لها، وبالتالي فأن اختيار المرشح لرئاسة الحكومة من خلالها، هو بحد ذاته اخلال بالدستور، فأن هذا الإخلال والالتفاف على النص الدستوري فيه خسارة وانتقاص للحقوق الدستورية للطرف الشيعي الذي يملك اليوم “الأغلبية النيابية” المذكورة في الدستور!
فما يحصل اليوم هو تقاسم طائفي – قومي (محاصصة بكل معنى الكلمة) للرئاسات الثلاثة، فيمنح حق تحديد رئيس الحكومة للكتلة الشيعية ورئاسة البرلمان للسنة ورئاسة الجمهورية للكرد. ولا يتدخل أي من الأطراف في “حق” أي طرف آخر في تحديد الشخص الذي سيشغل المنصب الذي منحه إياه هذا التقسيم.
إضافة الى ذلك، فأن في تبني مفهوم “كتلة المكون الأكبر” بدلا من الكتلة النيابية الأكبر، احتقار للناخب وصوته ورأيه. ففي حين ان الكتلة النيابية الأكبر تستطيع ان تفخر بأنها حصلت على ثقة أكبر عدد من الناخبين، لا تستطيع “كتلة المكون الأكبر” ان تفخر بشيء لأنها لم تفعل شيئا لتفخر به، ولم يكن هناك سبب لفوزها بالسلطة الا كثرة الولادات، وكأننا نقارن بين قطيعين من الغنم، وليس بين برنامجين ومنهجين وسلوك ممثليهما أيهما يحصل على الثقة!
لماذا كل هذا؟ قد يبدو لأول وهلة ان الكتلة النيابية الأكبر (وهي شيعية) قد لجأت الى المفهوم لتثبيت حق اكبر في السلطة والحكم، وان الدستور وقيمة أصوات الناخبين قد تمت التضحية بهما من أجل ذلك.
لكننا لو رجعنا للنص الدستوري بدلا من الالتفاف عليه، سنجد أن الكتلة النيابية الأكبر، وهي كتلة شيعية كما قلنا، تمتلك الحق الكامل بتقديم مرشح رئيس الحكومة، وأن رئيس الجمهورية مجبر دستوريا على أن يقوم بتكليفه، ولا خيار له بالرفض او الاختيار (ولذلك قيل ان منصب رئيس الجمهورية منصب تشريفي لا قيمة سياسية مهمة له، ويجب ان يكون كذلك). حيث تنص المادة (76):أولاً:- يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً!
ولنلاحظ هنا، ان الكتلة النيابية الأكثر عددا، لا تحتاج ان تعطي أي شيء ولا حتى وعد للآخرين حول المنصبين الآخرين مقابل حصولها على حق تحديد مرشح رئاسة الحكومة، فهو حق لها مضمون دستوريا، حق كسبته من خلال فوزها الانتخابي بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب، وهي ليست بحاجة لرضا الكتل الأخرى، لأنه ليس بحاجة إلى التصويت عليه في مجلس النواب أو اية جهة أخرى. ورئيس الجمهورية ملزم بتكليفه كما قلنا.
أما المنصبين الآخرين، فالأمر مختلف تماما، حيث يجب اختيارهما بالتصويت من قبل مجلس النواب، وهنا اللعبة! فالكتلة النيابية الأكبر تنازلت عن حق لها في التصويت على المنصبين الآخرين، وبدون أي مقابل! فالمادتان 61 و70 من الدستور، تحدد ان رئيس الجمهورية يُنتخب من خلال مجلس النواب. وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس مجلس النواب الذي ينتخب بالأغلبية المطلقة للمجلس بالتصويت السري حسب المادة 55 من الدستور.
هذا لا يعني بالضرورة أن الشيعة يجب ان يحاولوا الحصول على مناصب الرئاسات الثلاثة، لكنهم على الأقل يبقون، حتى لو أرادوا الوصول الى تفاهم (طائفي او مكوناتي) مع الطوائف الأخرى، قادرين على التأثير في اختيار شخص رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية. فحتى لو أراد الشيعة هنا مجاملة السنة والكرد ومنحهم هذين المنصبين لضرورات فرضتها سيطرة المفاهيم الطائفية في البلد، فمازال بإمكانهم على الأقل ان يلعبوا دوراً اساسياً في تحديد أي سني سيكون لمجلس النواب وأي كردي سيكون رئيساً للجمهورية. ويجب على السنة والكرد ان يقدموا مرشحين يرضون الشيعة وإلا فلن يمروا. وبالطبع هذا الاختيار مهم جدا. فلو فرضنا ان الكتلة الشيعية التي فازت بالعدد الأكبر من المقاعد كانت وطنية تبغي تقليل سلطة الاحتلال على البلد، فيمكنها ان تفرض اختيار رئيس جمهورية تتوقع منه انه لن يعرقل مسيرتها حتى لو كان كرديا، ورئيس مجلس نواب كذلك، حتى لو كان سنياً.
لماذا إذن وافقت الكتل الشيعية الفائزة بأغلبية المقاعد، على تبديل صلاحيات دستورية تمنحها حقا أكبر بأخرى افتراضية ولا دستورية تسلبها بعض حقها؟
ربما يقول المرء: لأنها تريد ان تضمن ترشيحها لرئيس الحكومة حتى لو لم تكن أكبر كتلة نيابية، كتلة شيعية. فمن الممكن ان يختلف الشيعة فيما بينهم ولا يستطيعون حتى تشكيل الكتلة النيابية الأكبر في انتخابات في المستقبل. ولكن هذا لو حدث، فمحاولة إبقاء “حق” كون رئيس الحكومة شيعياً، هو أولا تخريب شديد للدستور والعملية الديمقراطية قد ينتج عنه نتائج مدمرة. وثانيا لا أحد يضمن ان الكتلة الأخرى التي فازت بالمقاعد الأكثر سوف تلتزم بهذا التفاهم غير المكتوب، وتقبل منح الشيعة رئاسة الحكومة. المتوقع انها ستتمسك بحقها الدستوري وتحتفظ بحق ترشيح رئيس الحكومة، وعندها لن يستطيع الشيعة فعل أي شيء سوى القبول والانصياع للدستور الذي خذلوه قبلا فخذلوا أنفسهم بخذلانه وبدون مقابل على الإطلاق سوى طمأنة قلق لا مبرر له!
وهذا مثال يثبت أن الاندفاع الطائفي قد يؤدي الى ان يضرب نفسه قبل ان يضرب أية جهة أخرى، ودون ان يشعر أو يفكر.
والآن بعد ان أقنعنا صاحبة الجلالة – المشاعر الطائفية، هل جاء دور الوطن لنتحدث عن الضرر عليه؟
بالنسبة للوطن ووضعه السياسي ككل فأن الضرر الذي يسببه مصطلح “كتلة المكون الأكبر” وترشيح رئيس الحكومة منها، يتضح من أن التركيز على كون هذا المرشح “شيعي” هو فقط! وهكذا لم يعد هناك معنى لوجود برنامج حكومي للكتلة، ففي النهاية لن تقرر اية كتلة من هو المرشح، بل يصبح القرار بإجماع الكتل الشيعية، وطنيها وعميلها، اشتراكيها ورأسماليها الخ.
والسبب هو أن الكتلة الشيعية الفائزة بدلا من أن تحتفظ بحقها وتقوم بترشيح رئيس الحكومة بما يناسب برنامجها ووعودها لناخبيها، فإنها قامت بتوزيع حقها هذا على جميع الكتل الشيعية، حتى المناقضة لها في المواقف الوطنية. وبالتالي منحت كتلة المقاومة الفائزة على سبيل المثال، كتلا تناقضها وتشل قرارها مثل “الحكمة”، نوعا من الفيتو على أي مرشح لا ترضى عنه السفارة الأمريكية!
من الجهة الأخرى، وباعتبار ان المتوقع أن الشيعة سيبقون دائما “كتلة المكون الأكبر” التي تحدد الحكومة، فأي مواطن غير شيعي يهتم بالطائفة، لن يأمل بحكومة تمثله. أما ان لم يكن المواطن طائفيا، بل يبحث عن حكومة ذات برنامج سياسي محدد، فلن يستطيع ان يأمل بحكومة تمثله، حتى لو كان شيعياً! هكذا نجد أن الشعب كله سيخسر.
إنه في الحقيقة موقف معيب ومخجل ان تفوز بثقة الناس، ثم تقول للكتل الآخرى: هاتوا من تريدون لننصبه رئيسا على العراق وعلى مجلس نوابه، ما دمتم تسمحون لنا ان ننصب شيعياً على رأس الحكومة! هل غريب أن نتيجة هذا الموقف اللاأخلاقي أننا حصلنا في النهاية على تنصيب ثلاثة سفلة من اشد أعداء العراق متفقين على تدميره لحساب سيدهم المشترك، حتى ان اختلفت طوائفهم؟
ولكي يزداد الطين بلة، فأن هذا الخلل السياسي المجاني، سوف يتم تقويته بنظام الانتخابات الجديد، الذي فرضه التخريب التشريني، والذي هو أسوأ ما اخترع الانسان من أنظمة الانتخابات، والذي يصرف المواطن عن أي إحساس بالوطن، ويحصر رأيه بمن يستطيع ان يتوسط له من النواب للحصول على عمل او يعده بتبليط شارع الخ. وهكذا يتعاون المفهوم الطائفي للكتلة الأكبر، مع قانون الانتخاب الجديد، لإحداث شلل بالخيار السياسي للبلد، واستبداله بالخيار الطائفي والعشائري، وتسقط كل فئات الشعب ضحية توافق ساستها على نظام يوزع لهم المناصب دون أي هدف سياسي، وبعد اليأس، تترك المشاركة في الانتخابات وتستسلم لقدرها وتسلم البلد للّصوص.
………..
(1) مباراة “التك گول”: في تغريدة لي كتبت: “في مباراتهم للسيطرة على السلطة في العراق أمام الشعب العراقي، تمكن الأمريكان من إقناع جناحي الفريق العراقي (السنة والشيعة) ان المباراة ليست بين الامريكان والعراقيين، إنما هي مباراة ذات “مرمى واحد” (تك گول)، تجري بين جناحي الفريق العراقي، وعلى مرماهما!
هكذا صار الجناحان يتسابقان على تسجيل الأهداف على مرمى فريقهما، وكل منهما يحسب بقلق ما سجله هو وما سجله الآخر من اهداف على مرمى الفريق. قلق ضروري لإدامة غفلة جناحي الفريق، لكيلا يدركان ما يجري، حتى تعلن صافرة الحكم انتهاء المباراة!”