نقد الموقف السياسي للمقاومة العراقية من احداث السفارة
صائب خليل
بيان فصيل أساسي للمقاومة لم يكتف بالتبرؤ من قصف السفارة بل انهال بالهجوم على من قام به ووصف من قام بالعملية بأن “عملية القصف على سفارة الشر لا تخلو من امرين اما الجهل والغباء حد الثمالة او العمالة لترامب وفريقه”
وبرر ذلك بأنه “للتغطية على خسارة ترمب للانتخابات من خلال تصدير ازماته الداخلية ومحاولة جعله جنرال حرب للتغطية على فشله”.
والحقيقة ان البيان مخيب للآمال من عدة نواح، لكن أهمها انه يشي بأن المقاومة (او هذا الفصيل الأساسي منها) لا تعرف كيف تفكر سياسيا ولا تعرف كيف تقيس وتتخذ المواقف ولا ان تصيغ البيانات.
البيان خاطئ من عدة نواح، ومنها عدم التأكد من وقوع ضحايا، وثانيها أنها حتى لو وقعت فأن الذنب الحقيقي فيها لن يقع على المقاومين ابدا، كما شرحت في مقالتي السابقة(1)
فأول ما يجب ان يفكر السياسي به هو: هل ان ما استند اليه في موقفي، هو رأي وتحليل محتمل، ام هي حقائق؟ فرغم ان الساحة السياسية قد اشبعت بتبني التحليل القائل بأن ترمب يسعى لتصعيد في الشرق الأوسط وانه يفكر بسحب القوات تحضيرا لذلك التصعيد، فأن هذا الامر يبقى مجرد “تحليل” و “رأي” محتمل، وليس حقيقة، بل هو تحليل لا توجد مؤشرات قوية عليه. فترمب لم يسحب قواته بعد. كذلك فأن التبرير بأن السحب لحمايتها من رد الفعل (الإيراني) أمر مشكوك به. فلماذا جاءوا بهذه القوات إن كانوا سيسحبونها عند أي نية بالهجوم؟
ثانياً، البيان لا يبني الموقف على أساس هذا التحليل الناقص فقط، بل يهاجم بعنف شديد من خالفه واتخذ موقفا آخر. وكأن ذلك الفصيل يحتكر “الذكاء” في التحليل، ويحتكر الموقف السليم غير المشبوه من اميركا. إضافة الى ذلك فأن الغضب المتضمن في البيان يكشف ان الفصيل يرى نفسه وكأنه المحتكر لحق المقاومة وان هناك من اعتدى بغير وجه على هذا الحق، وتوجب توبيخه!
القاعدة المهمة الأخرى التي يجب ان تراعى قبل اعلان موقف، هي السؤال: ماهي تداعيات موقفي على المستقبل؟
وهنا نجد ان البيان بصيغته الحادة والمبنية على تحليل خاص تبناه ذلك الفصيل، حدد الظروف “المسموح” بها لممارسة المقاومة، وبشكل غامض، فحدد بذلك نفسه دون ان يشعر. ماذا لو قرر هذا الفصيل غدا ان يمارس مقاومته في ظرف مشابه مستقبلا؟ وهل هناك ظرف لا يمكن التحجج بأنه ظرف غير مناسب وانه يتيح للعدو حجة لعمل عسكري الخ؟ هل يجب وضع قاعدة لإيقاف العمل في كل وضع يكون فيه الرئيس الأمريكي بحالة ضعف، خشية ان يستخدمه حجة لتغطية ضعفه، والسماح بالعمل حين يكون الرئيس في حالة قوة؟ أم تكتفي بالحالات “المتوسطة” للعمل؟ إنها وصفة غريبة وغير معقولة.
ما هو الموقف الصحيح؟
الموقف المنطقي كان هو إنكار العلاقة بالعمل، إن كان ذلك هو الواقع، وتثبيت مبدأ مقاومة الاحتلال كحق لكل مواطن وكل جهة. وإن كان هذا التثبيت للحق صعباً سياسيا وعسكريا، فالاكتفاء بالإنكار وبدون تطويل وشرح وتبرير ومهاجمة من قام بالعمل.
إضافة الى ذلك كله، فقد وضعت المقاومة نفسها في موقف ضعيف جداً امام الناس حين تبين ان قصة الطفلة الضحية، لم تكن إلا كذبة اعلامية مستعجلة، لم يتمكن خالقوها حتى من تقديم صور وافلام مقنعة عنها، ولم يكن في سجل وفيات بغداد اشارة الى وفاة طفلة في الحادث او غيره ذلك اليوم!
كل هذا، حدد المقاومة مستقبلاً، ونفخ الشجاعة بمنتقديها لمهاجمتها متى شاءوا حتى ولو بالأكاذيب، وأظهر المقاومة بمظهر المرعوب المستعجل الذي لا يدري كيف يبرئ نفسه من ذلك الفعل- امام الامريكان وامام الحكومة وقواتها العميلة لهم- وبأي ثمن.
(1) من المسؤول عن ضحية قصف السفارة واسقاط الطائرة الأوكرانية؟