لماذا ينتقد المهاجرون "الرأسمالية التي استضافتهم" بدلا من شكرها؟

صائب خليل

10 نيسان 2021

يطرح هذا السؤال بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المتحمسين للرأسمالية، حين ينزعجون من مهاجر من بلدهم ينتقد الرأسمالية التي يعيش فيها، بدلا من أن “يبدي امتنانه لها” كما ينتظر هؤلاء منه. ورغم ان السؤال بالنسبة للمهاجرين انفسهم لا يستحق المناقشة، إلا انه ليس بذات الوضوح لمن كان في داخل البلد ولم يهاجر، لأن هذا يميل الى رؤية مبسطة للأمور من بعيد: هذه دولة رأسمالية، وهؤلاء في ضيافتها، وواجب الضيف ان يكون ممنونا لمضيفه. لذلك ربما يكون مفيدا توضيح بعض النقاط والتفاصيل المهمة التي يتم اغفالها.

1- من المناقض للمنطق أن يطالب احد بان يحكم الشخص بين قضيتين، حسب موقف “المتفضل عليه” وليس حسب رأيه هو. غريب ان يطالب بذلك بدلا من ان يطالب بحكم امين لا يأخذ بنظر الاعتبار موقفه الشخصي ومصلحته. فالمتحدث برأي يناقض رأي السلطة في البلد الذي يعيش فيه، ليس من مصلحة الشخص حتى في بلد ديمقراطي، وحتى ان لم يعرضه للخطر فقد يفقده فرصا في العمل والترقي. بمن يفترض ان نثق بأنه كان صادقا في التعبير عن رأيه: من يكتب شيئا انطلاقا من “شكره للذي استضافه” أم من يكتب رأيه بصراحة حتى لو كان ضد “الذي استضافه”؟

2- تتكون المجتمعات الغربية من أحزاب مختلفة ومتناقضة، وكلها تعتبر “وطنية” وليس الاشتراكيين في دولة رأسمالية أقل وطنية من الرأسماليين، إلا اذا استخدمنا منطق المكارثية الوحشية في اميركا، والتي يخجل منها حتى النظام الرأسمالي الحالي. وبالتالي كون المهاجر يرى الاشتراكية افضل لا يقلل او يزيد من وطنيته، او يقيم “امتنانه” للبلد المضيف. بل انه على الاغلب اتخذ موقفه باعتباره اقرب الى المجموعات التي ترى مستقبل البلد في الاشتراكية وهي في الغرب المجموعات الأقل ثراءاً والأكثر تعليماً ووعياً واهتماما بالإنسان في البلد.

3- كون النظام رأسمالي لا يعني إذن ان جميع مواطنيه مؤمنين بالرأسمالية، بل قد لا يكون اغلبهم كذلك! فمن يدرس التاريخ الغربي الحديث، يعلم ان الشيوعية قمعت في الغرب، ولم تغلب بالتصويت، ولا فقط بإعلام شديد القوة والتحيز، بل بالعنف مثلما حدث في اميركا واليونان وايطاليا على سبيل المثال.

هل تعلم مثلا ان دراسة نشرت قبل حوالي سنة ونصف، بينت، رغم كل الجهد الإعلامي الهائل المضاد، ان 40% من الأمريكان يفضلون العيش في نظام اشتراكي؟ (ان تكون اميركا اشتراكية)، (1) وان نسبة لا يستهان بها منهم تفضل لو انه كان شيوعيا؟ (2)

4- إن كان لللاجئ ان يتحيز لجهة أو يكون ممنونا لأحد في بلده الجديد، فهم الاشتراكيون فيه وليس الرأسماليون! فهذه الأحزاب هي التي تدافع عن حقه الإنساني ومساواته مع بقية المواطنين، اما الأحزاب الرأسمالية والمتطرفة والعنصرية، فتسعى دائما الى وضع المزيد من العراقيل بوجه قبول اللاجئين او توطينهم ومساواتهم في الأجور وغيرها.

والحقيقة أن ما يميز دول اوروبا من سعادة شعوبها يعود الى مبادئ اشتراكية وليس لها علاقة بحرية السوق واليد الخفية.

5- في الغالب، السبب في ترك المرء بلاده إلى بلد رأسمالي، ليس لتفوق نظام الرأسمالية على نظام بلده (وهو رأسمالي غالبا، وفي الفترة الأخيرة دائما تقريبا) إنما لأن الرأسمالية دمرت بلاده بشكل أشد مما دمرت بلادها في المهجر. إنه اشبه بالملاكم الذي ينهار تحت الضربات فيلتصق بغريمه المهاجم لكي يحرمه زخم الضربة البعيدة. الملاكم لا يلتصق بغريمه حبا به، او رغبة بالاستفادة من نظامه الأفضل، بل لتجنب ضرره الأشد الذي يتوجه الى بلد المهاجر الأصلي. فالرأسمالية لا تستطيع ان تلقي قنابل النابالم واليورانيوم المنضب وتمارس الحصار الاقتصادي في داخلها.

6- إضافة لذلك، نلاحظ أن طلبات اللجوء لا تتركز في البلدان الأكثر رأسمالية بين الدول المتطورة، بل العكس تماما. انها تتركز على الدول الاسكندنافية وهولندا والمانيا رغم الصعوبة الهائلة في مشكلة اللغات غير المعروفة. وفي الغالب فان من يذهب الى إنكلترا وأميركا وفرنسا، يكون بدافع معرفة اللغة. فاختيار اللاجئ إذن لم يكن لرأسمالية البلد، انما لظروف اللجوء الذي تمنحه إياه تلك البلدان، ونتيجة قوانين اقرب للاشتراكية منها للرأسمالية.

(1) أربعة من كل عشرة اميركان يفضلون الاشتراكية!

https://www.theguardian.com/us-news/2019/jun/10/america-socialism-capitalism-poll-axios

(2) ثلث الأمريكان بين عمر 25 إلى 41 يفضلون الشيوعية!

https://www.independent.co.uk/news/world/americas/us-politics/communism-millennials-capitalism-socialism-bernie-sanders-cold-war-yougov-a9188116.html