إيفو موراليس – عبد الكريم بوليفيا
صائب خليل
يحبس العالم أنفاسه وينظر باهتمام شديد الى ما ستؤول اليه استعادة الشعب البوليفي لحزب رئيسه المحبوب ايفو موراليس، حزب “الحركة نحو الاشتراكية”(MAS)، خاصة بعد تعدد المؤامرات الامريكية على هذا الحزب ورئيسه السابق، الشخصية الوطنية العتيدة ايفو موراليس، خاصة وقد أعلن الرئيس البوليفي المنتخب “لوئيس ارسي”، انه سيعيد العلاقات الدبلوماسية مع ايران وكوبا وفنزويلا، فور تسلم مقاليد الحكم في بلاده، خلال تشرين الثاني القادم. وكان آرسي وزيرا للاقتصاد في حكومة موراليس.
من يقرأ تاريخ بوليفيا ودور الزعيم إيفو موراليس فيها، يجد تشابها كبيرا في التوجه والتأثير بينه وبين الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم، رغم الفارق الزمني الكبير في زمن وفترة حكم كل منهما.
نصبت اميركا في بداية هذا القرن رئيسين تابعين لها على بوليفيا، قام الأول (لوزادا) بخصخصة ثروات بوليفيا من مصادر الطاقة الى شركات اجنبية اكثرها أمريكية، وكان قد تغلب على موراليس عام 2002، في انتخابات مزورة تم توثيقها في فلم بعنوان (Our Brand is Crisis) بدعم من “منظمة دول اميركا” التي اعترف سفير الولايات المتحدة بدفع 60% من ميزانيتها. تم إسقاط لوزادا في العام التالي في انقلاب دموي واستلم السلطة نائبه واستمر على نهج الخصخصة لزميله، واسقطه الشعب عام 2005، وأقيمت انتخابات جديدة عام 2006 فاز بها موراليس فوزا ساحقا.
وجد موراليس ان حكومات العملاء التي سبقته قد خصخصت ثروات البلاد ورتبت العلاقات مع الشركات الأجنبية الكبرى بشكل اخرق فلم تترك للبلاد من حصة ثرواتها إلا 18%، لتذهب الـ 82% الى الشركات، فقام موراليس بقلب تلك النسبة والاحتفاظ بـ 82% للبوليفيين. كذلك عمل على تنفيذ وعده لمواطنيه بأن لا يصدر الليثيوم خاماً بل ان يستخدم لتشغيل الايدي العاطلة في البلاد، وان تبقى معظم أرباحه في بوليفيا.(1)
تمتع موراليس بحب كبير بين السكان الأصليين والذين يشكلون حوالي 75% من سكان بوليفيا، لأنه حسن وضعهم المعيشي بشكل لم يفعله أحد منذ ان تحررت بوليفيا من الاستعمار الاسباني قبل 200 عام. إلا ان تلك المسيرة التي تميزت باصطباغ القارة الجنوبية بالأحمر الاشتراكي وتعاون موراليس مع الرئيس المغدور شافيز من فنزويلا ونجاد من إيران في مطلع القرن، لتشكيل قوة ضغط شعبية كان يؤمل منها الكثير، لكن المؤامرات والظروف ازاحتهم واحدا واحدا، واستبدلت بهم من تتمنى اميركا لشعوبهم ان يحكم.
وصف تعامل الحكام الذين نصبتهم اميركا على بوليفيا مع الشعب بشكل يذكر بالغزو الاسباني. فقد حرص هؤلاء على إزالة كل ما يمت إلى ثقافة السكان الأصليين -الذين ينتمي موراليس إليهم- من الوجود الرسمي، ومنع لباسهم التقليدي، وحين نجح الانقلاب وأسقط موراليس، رفع الجنود الكتاب المقدس في قاعات القصر الرئاسي، كما كان الإسبان يرفعون الصليب والكتاب المقدس في غزواتهم على سكان اميركا الجنوبية في العصور الغابرة.
ولا يعزى سبب حب البوليفيين الاصليين لموراليس على احترامهم وكونه واحدا منهم طبعا، فخلال 12 عاما من حكمه (بين 2006 الى 2018) نجح موراليس(2) بخفض:
الأمية من 13% إلى 2.4%
البطالة من 9.2% إلى 4.1%
نسبة الفقر من 60.6% الى 34,6%
الفقر الشديد من 38.2% إلى 15.2%
وهو ما يذكر بإنجازات الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم في العراق وتحيزه لشعبه وخاصة لفقرائه، في استغلال ثروات البلاد والإصلاحات الاجتماعية الكبيرة والاقتصادية التي أدت الى مقتله بمؤامرة أمريكية.
التآمر الأمريكي على موراليس لم يكن فقط لأنه اشتراكي وانما بسبب ثروات بوليفيا الغنية بالغاز والنفط والكثير من المعادن، واهمها الليثيوم، الشديد الأهمية لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
لذلك، حين فاز موراليس في عام 2019، لجأت اميركا وعملائها الى التظاهرات والحيل لادعاء اشتباه بحسابات أصوات الناخبين. وتحولت التظاهرات إلى أعمال عنف، دفعت موراليس الى ترك البلاد وطلب اللجوء في المكسيك لوقف انحدار البلاد.(3)
قاد الانقلاب الملياردير لويس كاماجو، والذي برز من الحركات الفاشية في منطقة سانتا كروز، التي كانت الولايات المتحدة تشجعها على الانفصال. وحصل كاماجو على دعم من الدول المجاورة في كولومبيا والبرازيل والمعارضة الفنزويلية – وكلها جهات مدعومة من اميركا(4)
وفي اليوم التالي لمغادرة موراليس الى منفاه في المكسيك، هاجمت عصابات “المعارضة” التي اسقطته، البنك المركزي واستولت على الذهب فيه، وشوهد وهو ينقل الى المطار، ثم الى بلد ما، يعتقد انه اميركا. وتم اعتقال العديد من السياسيين والصحفيين واعفي جميع المجرمين الذين شاركوا في اعمال العنف.
ومن الجدير بالذكر أن منظمة هيومان رايتس ووج “الإنسانية” قد تصرفت بشكل غريب فبررت العنف ووصفته بطريقة مدهشة وبألفاظ تطبيعية تقلل من إجرامه.(5)
وقد وثقت 6 اشرطة صوتية سجلت لشخصيات معارضة لموراليس الدور الأمريكي في المؤامرة حيث عقدت محادثات مع نواب في مجلس الشيوخ الأمريكي لزعزعة الاستقرار في بوليفيا وإعلان اضراب عام بعد فوز موراليس، والترتيب للانقلاب بتوجيه من السفارة الأمريكية في بوليفيا.(6)
جاء انتصار حزب موراليس الأخير بعد اشهر قليلة من اعترف الملياردير ايلون ماسك، المدير التنفيذي لشركة “تسلا” الامريكية لصناعة السيارات الكهربائية، بالتورط في المؤامرة التي اسقطت مواراليس في العام الماضي حيث قال بتحد صلف: “سنسقط من نشاء. عليكم ان تقبلوا هذا”. وكان ماسك يتحدث عن الانقلاب الذي تمكن ماسك ورفاقه من تنصيب حكام أمنوا لشركته الليثيوم الضروري لبطاريات سياراتها بعقود رخيصة. وحينها، وفور استلام الانقلابيين السلطة، أرسل وزير الخارجية الجديد إلى ماسك رسالة يقول فيها: “سنرحب ممنونين بأية شركة ترسلها لنا انت او شركتك”.
وارتفعت أسهم شركة تسلا فور إعلان الانقلاب عام 2019 واستمرت بالصعود إلى قبل أيام حين فاز الاشتراكيون.
المستقبل؟
من المتوقع، ان سلمت الحكومة الجديدة من المؤامرات الأمريكية، ان تنتهج النهج الاقتصادي والسياسي الشعبي الإشتراكي الذي كان موراليس وحزبه “الحركة نحو الاشتراكية”، ينتهجه، والمتمثل برفض ما يفرضه عليهم الاقتصاد الليرالي الغربي، والعمل على تحقيق احلامهم باستغلال ثروات البلاد، وخاصة الليثيوم، لتخفيض البطالة والفقر من خلال المشاريع الخاصة بتصنيع البطاريات في البلاد بدلا من تصديره خاما الى الخارج، والتي كانوا قد بدأوا فيها بمشاركة بين الحكومة البوليفية (اكثر من نصف الأسهم) و شركة المانية، والتي قام الانقلابيون بإلغائها ضمن حملة خصخصة لثروات البلاد وتسليمها للمستثمرين المحليين والأجانب.(7)
وان استطاعت الحكومة الجديدة الصمود، فإنها تتجه بأنظارها مثل العديد من الشعوب اليوم إلى الصين، التي تملك أكبر سوق لليثيوم. فقد بلغ انتاج الصين عام 2018 مليون سيارة كهربائية في اليوم! ومن المتوقع ان يصل العدد الى ثلاثة اضعاف ذلك عام 2025. وبوليفيا تمتلك أكبر مناجم الليثيوم في العالم (أكثر من 60% منه). وكان هناك مشروع قيد التحضير بين بوليفيا والصين في بداية العام الماضي، وبنسبة 51% لبوليفيا و49% للصين لصناعة البطاريات ومنتجات أخرى يدخل فيها الليثيوم، وكان المشروع على وشك التوقيع قبل الانقلاب الأمريكي. وحسب التقديرات فأن جميع السيارات في الصين عام 2040 ستكون كهربائية. ومن المعروف ان جميع الدراجات النارية الصغيرة في الصين اليوم، كهربائية.
العلاقة مع إسرائيل
أخيرا وليس اخراً بالنسبة لنا، فأن انتصار حزب “الحركة نحو الاشتراكية” ذو أهمية سياسية كبيرة جدا في صراعنا مع الاغتصاب التطبيعي الذي يمارس علينا اليوم، لتاريخ مواقف الحكام الجدد المشرف من القضية الفلسطينية بشكل خاص. فقد قطع ايفو موراليس علاقاته مع إسرائيل عقب هجومها على غزة عام 2014، وأدانها باعتبارها “دولة إرهابية”. وحين رأست بوليفيا مجلس الأمن عام 2017 نظمت جلسة لمناقشة قضية فلسطين وحذر مندوبها المجتمع الدولي من غض النظر عن جرائم الحرب الإسرائيلية والمعاناة الفلسطينية.(8)
وقد وصف احد الكتاب الانقلاب الأمريكي على موراليس عام 2019 بأنه “انقلاب لأجل إسرائيل” ايضاً.(9)
فبعد فترة وجيزة من ابعاد موراليس، قامت حكومة اليمين البوليفية بإعادة العلاقات مع إسرائيل، والتي قطعها موراليس عام 2009 بعد عملية الرصاص المصهور على غزة والتي قتلت 1400 فلسطيني. وفي عمليتها الإجرامية على غزة عام 2014 والتي قتل فيها 2251 فلسطيني، ادان موراليس إسرائيل كدولة إرهابية. وبعد اسقاط موراليس في 2019 أعيدت العلاقات مع إسرائيل من جديد، وطلب منها تدريب الشرطة البوليفية على “مكافحة الإرهاب”، باعتبار ان إسرائيل تمتلك خبرة في التعامل مع الإرهابيين، كما قالت الحكومة! وقد أشاد ترمب بعودة العلاقة.
هذه قصة موراليس “عبد الكريم” بوليفيا، وها هو حزبه “الحركة نحو الاشتراكية” يعود الى السلطة ويعلن الرئيس الجديد نيته إعادة العلاقات المقطوعة مع إيران وكوبا وفنزويلا، وهي بارقة أمل في زمن مظلم نفحة نسيم في جو خانق، نتمنى لها الموفقية ولكل شعب واع يصارع من اجل بقائه كريما سائدا على ارضه وثرواته.
.
(1) China-Bolivia – A Lithium Deal, No More?
http://www.informationclearinghouse.info/52594.htm
(2) Lessons To Learn From The Coup In Bolivia
http://www.informationclearinghouse.info/52538-c.htm
(3) Bolivia – A Color Revolution – or a New Surge for Latin American Independence?
http://www.informationclearinghouse.info/52566.htm
(4) Bolivia coup led by Christian fascist paramilitary leader and millionaire – with foreign support
http://www.informationclearinghouse.info/52534-c.htm
(5) How Human Rights Watch Whitewashed a Right-Wing Massacre in Bolivia
http://www.informationclearinghouse.info/52590-c.htm
(6) Bolivia: Audios Linking Civic, Ex-Military and US in Coup Plans
http://www.informationclearinghouse.info/52493.htm
(7) Elon Musk Confesses to Lithium Coup in Bolivia
http://www.informationclearinghouse.info/55399.htm
(9) Bolivia: A coup for Israel too
http://www.informationclearinghouse.info/52745.htm